النشأة
ولد أحمد منيب في 4 يناير 1926 ، أي بعد بناء سد أسوان بسنوات قليلة، وقد عاش مخلصاً لذلك الشجن الصافي لتلك الجماعة ، جماعة النوبة. فكان أول من عزف على العود في النوبة وقدم مع الشاعر محيى الدين شريف أول أغنية نوبية تتكون من قالب الأغنية الحديثة ـ مذهب وكوبليهات ـ حيث كانت الخميرة الموسيقيية النوبية قبل هذا التعاون هي وليدة الممارسات الاجتماعية لدى أهل النوبة و جزءاً من طقوسها الشفاهية ، مجرد أغان تتوارثها الأجيال بتنويعات لحنية ثابتة في الأفراح وحفلات الميلاد وأغنيات العمل .
كانت عين الشاب أحمد منيب في هذا التحول متجهة نحو الشمال، بحثا عن توليفة تمزج تلك الموسيقى البعيدة التى لا يستسيغها أهل الشمال و لا يعرفون عنها شيئا (تماما كلغة النوبة الشفاهية التى لا تزال لليوم تبحث لها عن أبجدية) بالموسيقى الشرقية المسيطرة شمالاً. وهل هناك أفضل و أنسب من العود آلة قابلة لهذا التوليف.
عرفت النوبة الطنبور، وهو آلة وترية قديمة ذات جذور فرعونية، أما العود وهو أساس القالب الشرقي، فكان مهمة العازف الشاب الذي ابتدع من خلاله وصلة مزجت الخماسي الإيقاعي الإفريقي بالشرقي الطربي، وكان المفتتح لذلك هو الشجن الذي حوّل الخماسي الراقص في نسخته الإفريقية إلى موسيقى حزينة ذات إيقاعات أقرب إلى روح العديد القديم. و انضم الملحن الشاب لفرقة زكريا الحجاوي حيث استمرت جولته معها عامين جابا فيها كافة أنحاء مصر. فاجتمعت له ناصية الثقافة الموسيقية الشرقية وتلوناتها الشعبية إلى ما يكتنزه أصلاً و تختزنه أذنه وذاكرته الموسيقية من موسيقي النوبة.
أحمد منيب و ثورة يوليو
وجد أحمد منيب مشروعه مع إهتمام ثورة يوليو بتوطين العلاقة مع السودان و جنوب مصر ، فأنشأت الإذاعة المصرية إذاعة وادي النيل لربط خطابها الأيديولوجي بامتداد مصر الجنوبي ممثلا في السودان. لكن أحمد منيب وزميله الشاعر وَجَّهَا رسالة شخصية للرئيس جمال عبد الناصر طالبا فيها بالسماح للموسيقى النوبية بمساحة في الإذاعة المصرية كتأكيد على مصرية نوبيته.و استجاب الرئيس لندائهما وجاء برنامج "من وحي الجنوب" ليسمع المصريين اللغة النوبية بلسان عبد الفتاح والي وألحان العازف الشاب أحمد منيب .
وهكذا نجح منيب في إنطاق الإذاعة بلغة النوبة كأولى خطوات الانتشار للغة وموسيقى النوبة لكن مع الأسف كان حصار الذوق السمعي عبر غناء الأساطير (الموسيقار محمد عبد الوهاب و أم كلثوم وبعدهما عبد الحليم حافظ ) سببا في تأجيل مشروعه الكبير، الذي ظل حبيس حفلات الأفراح النوبية في القاهرة والاسكندرية . لقد نجح نجاحاً إكسسوارياً كالإعتراف بأطراف الصورة دون الوصول إلى المركز.
بداية مشوار أحمد منيب الغنائي
بعد موت عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وتراجع الموسيقار محمد عبد الوهاب للتلحين منذ منتصف السبعينيات، ليظهر أحمد عدوية بموسيقى الحارة الشعبية المصرية خارج الأطر الرسمية مع زمن الانفتاح الاقتصادي و صعود طبقات كانت في الاصل في الحضيض و هبوط طبقات مثقفة و واعية و تواريها و ابتعاد الأضواء عنها.
التقى أحمد منيب مع الشاعر عبد الرحيم منصور ذي التجارب الناجحة مع عفاف راضي ابنة السبعينيات المدهشة، ليشتمل اللحن الحزين بالكلمة الثرية المهمومة القادمة من عمق الصعيد المجهول لأهل القاهرة خصوصا و للمصريين غير النوبيين عموما، فيما عدا مؤسسية عبد الرحمن الأبنودي التي شاغبت أحلام مطرب الثورة (عبد الحليم حافظ) وزعيمها الخالد (جمال عبد الناصر).كان للحن والكلمة أن يختارا صوتهما الخاص، فكان محمد منير عام 1978 منجز هذه الترويكا المغامرة والغامضة، وأخضع الموزعان هاني شنودة و يحيي خليل تلك الثورة العِرْقِيَّة الموسيقية والغنائية للمسات غنية بالتوزيع الحديث.
ألحانه و أغنياته
خمسة وثمانون لحناً غنى منها أحمد منيب واحد و خمسين لحناً ضمّنها ألبوماته السبعة:
مشتاقين
يا عشرة
كان وكان
بلاد الدهب
راح أغني
قسمة ونصيب
حدوتة مصرية
كما قام بتلحين سبع و ثلاثين أغنية لمحمد منير وحده في أول عشرة ألبومات، وهناك أغانٍ من ألحانه أيضاً لمطربين مثل المطرب الليبى الأصل حميد الشاعري و المطربين المصريين علاء عبد الخالق و عمرو دياب و إيهاب توفيق و محمد فؤاد و فارس و حسن عبد المجيد و حنان .
هذا و من كاتبي كلمات نجوم تلك المرحلة فطاحل و عمالقة مثل : فؤاد حداد ، صلاح جاهين ، عبد الرحيم منصور ، مجدي نجيب ، عصام عبدالله ، أحمد فؤاد نجم ، سيد حجاب ، جمال بخيت و غيرهم.
لكن تجربته مع محمد منير تبقى الأكثر جذرية لأنه لا يمكن إحتساب تجربة منير دون أبيه الروحي، الذي قدم معه أجمل أغنيات تلك الفترة مثل:
أم الضفاير
اتكلمي
افتح قلبك
الرزق على الله
الليلة يا سمرا
شجر الليمون
بعتب عليكي
حدوتة مصرية
حواديت
نجيب سؤال
سحر المغنى
و قد استطاع ثلاثي تلك التجربة (أحمد منيب، عبد الرحيم منصور، محمد منير) أن يُدخِلوا، ولأول مرة، الثقافة النوبية إلى كل بيت وأسرة مصرية حيث انتزع اعترافاً متأخراً بثقافة عانت قروناً من التغييب والتعالي الرسمي.
وفاته
و في عام 1991 توفى أحمد منيب عن عمر يناهز خمسة و ستين عاماً بعد رحلة حافلة بالعطاء و التجديد الموسيقى الذى كان ذا سحر خاص و مذاق مميز لا ينسى لدى الشباب و أحدثت كلمات أغنيته التى تفيض بالحكمة والموعظة.
ولد أحمد منيب في 4 يناير 1926 ، أي بعد بناء سد أسوان بسنوات قليلة، وقد عاش مخلصاً لذلك الشجن الصافي لتلك الجماعة ، جماعة النوبة. فكان أول من عزف على العود في النوبة وقدم مع الشاعر محيى الدين شريف أول أغنية نوبية تتكون من قالب الأغنية الحديثة ـ مذهب وكوبليهات ـ حيث كانت الخميرة الموسيقيية النوبية قبل هذا التعاون هي وليدة الممارسات الاجتماعية لدى أهل النوبة و جزءاً من طقوسها الشفاهية ، مجرد أغان تتوارثها الأجيال بتنويعات لحنية ثابتة في الأفراح وحفلات الميلاد وأغنيات العمل .
كانت عين الشاب أحمد منيب في هذا التحول متجهة نحو الشمال، بحثا عن توليفة تمزج تلك الموسيقى البعيدة التى لا يستسيغها أهل الشمال و لا يعرفون عنها شيئا (تماما كلغة النوبة الشفاهية التى لا تزال لليوم تبحث لها عن أبجدية) بالموسيقى الشرقية المسيطرة شمالاً. وهل هناك أفضل و أنسب من العود آلة قابلة لهذا التوليف.
عرفت النوبة الطنبور، وهو آلة وترية قديمة ذات جذور فرعونية، أما العود وهو أساس القالب الشرقي، فكان مهمة العازف الشاب الذي ابتدع من خلاله وصلة مزجت الخماسي الإيقاعي الإفريقي بالشرقي الطربي، وكان المفتتح لذلك هو الشجن الذي حوّل الخماسي الراقص في نسخته الإفريقية إلى موسيقى حزينة ذات إيقاعات أقرب إلى روح العديد القديم. و انضم الملحن الشاب لفرقة زكريا الحجاوي حيث استمرت جولته معها عامين جابا فيها كافة أنحاء مصر. فاجتمعت له ناصية الثقافة الموسيقية الشرقية وتلوناتها الشعبية إلى ما يكتنزه أصلاً و تختزنه أذنه وذاكرته الموسيقية من موسيقي النوبة.
أحمد منيب و ثورة يوليو
وجد أحمد منيب مشروعه مع إهتمام ثورة يوليو بتوطين العلاقة مع السودان و جنوب مصر ، فأنشأت الإذاعة المصرية إذاعة وادي النيل لربط خطابها الأيديولوجي بامتداد مصر الجنوبي ممثلا في السودان. لكن أحمد منيب وزميله الشاعر وَجَّهَا رسالة شخصية للرئيس جمال عبد الناصر طالبا فيها بالسماح للموسيقى النوبية بمساحة في الإذاعة المصرية كتأكيد على مصرية نوبيته.و استجاب الرئيس لندائهما وجاء برنامج "من وحي الجنوب" ليسمع المصريين اللغة النوبية بلسان عبد الفتاح والي وألحان العازف الشاب أحمد منيب .
وهكذا نجح منيب في إنطاق الإذاعة بلغة النوبة كأولى خطوات الانتشار للغة وموسيقى النوبة لكن مع الأسف كان حصار الذوق السمعي عبر غناء الأساطير (الموسيقار محمد عبد الوهاب و أم كلثوم وبعدهما عبد الحليم حافظ ) سببا في تأجيل مشروعه الكبير، الذي ظل حبيس حفلات الأفراح النوبية في القاهرة والاسكندرية . لقد نجح نجاحاً إكسسوارياً كالإعتراف بأطراف الصورة دون الوصول إلى المركز.
بداية مشوار أحمد منيب الغنائي
بعد موت عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وتراجع الموسيقار محمد عبد الوهاب للتلحين منذ منتصف السبعينيات، ليظهر أحمد عدوية بموسيقى الحارة الشعبية المصرية خارج الأطر الرسمية مع زمن الانفتاح الاقتصادي و صعود طبقات كانت في الاصل في الحضيض و هبوط طبقات مثقفة و واعية و تواريها و ابتعاد الأضواء عنها.
التقى أحمد منيب مع الشاعر عبد الرحيم منصور ذي التجارب الناجحة مع عفاف راضي ابنة السبعينيات المدهشة، ليشتمل اللحن الحزين بالكلمة الثرية المهمومة القادمة من عمق الصعيد المجهول لأهل القاهرة خصوصا و للمصريين غير النوبيين عموما، فيما عدا مؤسسية عبد الرحمن الأبنودي التي شاغبت أحلام مطرب الثورة (عبد الحليم حافظ) وزعيمها الخالد (جمال عبد الناصر).كان للحن والكلمة أن يختارا صوتهما الخاص، فكان محمد منير عام 1978 منجز هذه الترويكا المغامرة والغامضة، وأخضع الموزعان هاني شنودة و يحيي خليل تلك الثورة العِرْقِيَّة الموسيقية والغنائية للمسات غنية بالتوزيع الحديث.
ألحانه و أغنياته
خمسة وثمانون لحناً غنى منها أحمد منيب واحد و خمسين لحناً ضمّنها ألبوماته السبعة:
مشتاقين
يا عشرة
كان وكان
بلاد الدهب
راح أغني
قسمة ونصيب
حدوتة مصرية
كما قام بتلحين سبع و ثلاثين أغنية لمحمد منير وحده في أول عشرة ألبومات، وهناك أغانٍ من ألحانه أيضاً لمطربين مثل المطرب الليبى الأصل حميد الشاعري و المطربين المصريين علاء عبد الخالق و عمرو دياب و إيهاب توفيق و محمد فؤاد و فارس و حسن عبد المجيد و حنان .
هذا و من كاتبي كلمات نجوم تلك المرحلة فطاحل و عمالقة مثل : فؤاد حداد ، صلاح جاهين ، عبد الرحيم منصور ، مجدي نجيب ، عصام عبدالله ، أحمد فؤاد نجم ، سيد حجاب ، جمال بخيت و غيرهم.
لكن تجربته مع محمد منير تبقى الأكثر جذرية لأنه لا يمكن إحتساب تجربة منير دون أبيه الروحي، الذي قدم معه أجمل أغنيات تلك الفترة مثل:
أم الضفاير
اتكلمي
افتح قلبك
الرزق على الله
الليلة يا سمرا
شجر الليمون
بعتب عليكي
حدوتة مصرية
حواديت
نجيب سؤال
سحر المغنى
و قد استطاع ثلاثي تلك التجربة (أحمد منيب، عبد الرحيم منصور، محمد منير) أن يُدخِلوا، ولأول مرة، الثقافة النوبية إلى كل بيت وأسرة مصرية حيث انتزع اعترافاً متأخراً بثقافة عانت قروناً من التغييب والتعالي الرسمي.
وفاته
و في عام 1991 توفى أحمد منيب عن عمر يناهز خمسة و ستين عاماً بعد رحلة حافلة بالعطاء و التجديد الموسيقى الذى كان ذا سحر خاص و مذاق مميز لا ينسى لدى الشباب و أحدثت كلمات أغنيته التى تفيض بالحكمة والموعظة.