بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن هذا الخوف الذي تشعر به، والذي يجعلك قلقاً مضطرباً من عدم قبول عملك، أو أن عملك قليل لا يكفي لدخول الجنة، هذا الخوف هو في الأصل خوفٌ غير مذموم، وهو أيضاًَ صفة مدحها الله تعالى وأثنى على المتصفين بها، كما قال تعالى: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}.
فتأمل كيف أثنى الله تعالى على هذا الصنف من عباده، ومدحهم مدحةً عظيمة بأنهم مشفقون من خشية الله، أي خائفون على أنفسهم من عذاب الله، هذا مع كونهم مؤمنين بآيات ربهم موحدين له حق التوحيد، ثم أعاد الله وصفهم بأنهم مع كونهم يؤتون الأعمال العظيمة المصالحة إلا أنهم ومع ذلك كله، خائفون أيضاً من أن لا يتقبل الله تعالى منهم هذه الأعمال.
وهذا هو الذي شرحه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، عندما قالت له: يا رسول الله، الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟ فقال: (لا يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل) أخرجه الإمام أحمد في المسند والترمذي في سننه.
فثبت بهذا الكلام أن هذا الشعور الذي تجده في قلبك من الخوف من عذاب الله ومن الخوف أن تكون مقصراً في طاعة الله، هو في الأصل شعور سليم وصفة حميدة غير ذميمة، بل إنها صفة الأبرار والصالحين، كما قال الحسن البصري عليه رحمة الله: (إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة، وإن الكافر جمع إساءةً وأمناً).
والمقصود أن الخوف من الله تعالى ومن التقصير في حقه العظيم هو شعار المؤمن، وهو أيضاً صفة الأبرار الصالحين، غير أن المذموم من ذلك هو الإفراط والزيادة على القدر المشروع، فإن الغلو مذموم في دين الله تعالى، سواء كان الغلو في الخوف من الله أو في الأمن من عذابه، فالواجب هو أن يكون خوفك من الله خوفاً يوافق شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، بحيث إن خوفك من الله يجعلك عبداً حذراً من معصية الرب جل وعلا، وفي نفس الوقت يجعلك مثابراً مجتهداً في طاعة الرحمن وطلب رضوانه.
ولهذا المعنى لما ذكر جل وعلا صفات الخائفين، أتبع ذلك بوصفهم بأنهم مسارعين في الخيرات ومسابقين إلى الطاعات، كما قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}.
وهذا هو الدين ينبغي أن تأخذ به وأن تستمسك به، بحيث تجعل خوفك خوفاً موافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا إفراط ولا تفريط، وفي نفس الوقت فإنك لن تنسى أن رحمة الله واسعة، وأن الرجاء فيه عظيم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله الصالح، مهما بلغ فيه من الحرص والاجتهاد، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن ينجي أحداً منكم عملُه، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ فقال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، ولكن سددوا).
فهذه بشرى عظيمة لك ولكل مسلم يؤمن بالله وباليوم الآخر، فإن العمل مهما بلغ، وإن الطاعة مهما عظمت لن تكون هي الجزاء الذي يدخل به العبد الجنة، وإنما الأعمال الصالحة أسباب لدخول الجنة برحمة الله وفضله، كما قال تعالى: {أدخلوا الجنة بما كنتم تعلمون} أي بسبب أعمالكم الصالحة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولكن سددوا) أي ولكن حاولوا أن تفعلوا السداد وهو الصواب، أي توسطوا في أموركم بدون غلو أو تقصير، بحيث إن العبد لا يتكل على سعة رحمة الله ويترك العمل، ولا أنه ييأس من رحمة الله، فتتحول حياته إلى تعاسة وشقاء، فإن هذا القرآن العظيم وهذه الشريعة المباركة لم يأتيا للشقاء والتعاسة، بل جاءا للسعادة والفرح برحمة الله، كما قال تعالى: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}.
وهذا الذي ذكرناه في هذا الموضوع هو الذي قرره الله جل وعلا في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم البيان الكامل التام في أحاديث لا تحصى عنه صلوات الله وسلامه عليه.
فعليك بمعرفة الاعتدال في الخوف والرجاء والأمل برحمة الله، مع الخشية من عذابه وتفكر في سعة رحمة الله مع شدة عذابه، كما قال تعالى: {نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم* وأن عذابي هو العذاب الأليم} ولذلك قال بعض الأئمة: الخوف والرجاء للمؤمن كجناحي طائر، إذا اختل أحدهما اختل طيرانه.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد في القول والعمل.
والحمد لله رب العالمين.
[/size]
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن هذا الخوف الذي تشعر به، والذي يجعلك قلقاً مضطرباً من عدم قبول عملك، أو أن عملك قليل لا يكفي لدخول الجنة، هذا الخوف هو في الأصل خوفٌ غير مذموم، وهو أيضاًَ صفة مدحها الله تعالى وأثنى على المتصفين بها، كما قال تعالى: {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم لا يشركون * والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}.
فتأمل كيف أثنى الله تعالى على هذا الصنف من عباده، ومدحهم مدحةً عظيمة بأنهم مشفقون من خشية الله، أي خائفون على أنفسهم من عذاب الله، هذا مع كونهم مؤمنين بآيات ربهم موحدين له حق التوحيد، ثم أعاد الله وصفهم بأنهم مع كونهم يؤتون الأعمال العظيمة المصالحة إلا أنهم ومع ذلك كله، خائفون أيضاً من أن لا يتقبل الله تعالى منهم هذه الأعمال.
وهذا هو الذي شرحه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، عندما قالت له: يا رسول الله، الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟ فقال: (لا يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل) أخرجه الإمام أحمد في المسند والترمذي في سننه.
فثبت بهذا الكلام أن هذا الشعور الذي تجده في قلبك من الخوف من عذاب الله ومن الخوف أن تكون مقصراً في طاعة الله، هو في الأصل شعور سليم وصفة حميدة غير ذميمة، بل إنها صفة الأبرار والصالحين، كما قال الحسن البصري عليه رحمة الله: (إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة، وإن الكافر جمع إساءةً وأمناً).
والمقصود أن الخوف من الله تعالى ومن التقصير في حقه العظيم هو شعار المؤمن، وهو أيضاً صفة الأبرار الصالحين، غير أن المذموم من ذلك هو الإفراط والزيادة على القدر المشروع، فإن الغلو مذموم في دين الله تعالى، سواء كان الغلو في الخوف من الله أو في الأمن من عذابه، فالواجب هو أن يكون خوفك من الله خوفاً يوافق شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، بحيث إن خوفك من الله يجعلك عبداً حذراً من معصية الرب جل وعلا، وفي نفس الوقت يجعلك مثابراً مجتهداً في طاعة الرحمن وطلب رضوانه.
ولهذا المعنى لما ذكر جل وعلا صفات الخائفين، أتبع ذلك بوصفهم بأنهم مسارعين في الخيرات ومسابقين إلى الطاعات، كما قال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون* أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}.
وهذا هو الدين ينبغي أن تأخذ به وأن تستمسك به، بحيث تجعل خوفك خوفاً موافقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا إفراط ولا تفريط، وفي نفس الوقت فإنك لن تنسى أن رحمة الله واسعة، وأن الرجاء فيه عظيم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله الصالح، مهما بلغ فيه من الحرص والاجتهاد، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن ينجي أحداً منكم عملُه، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ فقال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته، ولكن سددوا).
فهذه بشرى عظيمة لك ولكل مسلم يؤمن بالله وباليوم الآخر، فإن العمل مهما بلغ، وإن الطاعة مهما عظمت لن تكون هي الجزاء الذي يدخل به العبد الجنة، وإنما الأعمال الصالحة أسباب لدخول الجنة برحمة الله وفضله، كما قال تعالى: {أدخلوا الجنة بما كنتم تعلمون} أي بسبب أعمالكم الصالحة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولكن سددوا) أي ولكن حاولوا أن تفعلوا السداد وهو الصواب، أي توسطوا في أموركم بدون غلو أو تقصير، بحيث إن العبد لا يتكل على سعة رحمة الله ويترك العمل، ولا أنه ييأس من رحمة الله، فتتحول حياته إلى تعاسة وشقاء، فإن هذا القرآن العظيم وهذه الشريعة المباركة لم يأتيا للشقاء والتعاسة، بل جاءا للسعادة والفرح برحمة الله، كما قال تعالى: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}.
وهذا الذي ذكرناه في هذا الموضوع هو الذي قرره الله جل وعلا في مواضع كثيرة من كتابه العزيز، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم البيان الكامل التام في أحاديث لا تحصى عنه صلوات الله وسلامه عليه.
فعليك بمعرفة الاعتدال في الخوف والرجاء والأمل برحمة الله، مع الخشية من عذابه وتفكر في سعة رحمة الله مع شدة عذابه، كما قال تعالى: {نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم* وأن عذابي هو العذاب الأليم} ولذلك قال بعض الأئمة: الخوف والرجاء للمؤمن كجناحي طائر، إذا اختل أحدهما اختل طيرانه.
ونسأل الله لك التوفيق والسداد في القول والعمل.
والحمد لله رب العالمين.
[/size]