نبغت نابغة تُسمّى القرآنية ويزعمون أنهم أهل القرآن، وأنهم يحتجون بالقرآن فقط، وأن السنة لا يحتج بها؛ لأنها إنما كتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط، ولأن الكتب قد يقع فيها غلط.. إلى غير هذا مما قالوا من الترهات والخرافات والآراء الفاسدة، وزعموا أنهم بذلك يحتاطون لدينهم، فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط، وقد ضلوا عن سواء السبيل، وكذبوا وكفروا بذلك كفراً أكبر بواحاً. فإن الله عز وجل أمر بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام واتباع ما جاء به، ولو كان رسوله لا يتبع ولا يطاع لم يكن للأوامر قيمة، وقد أمر أن تبلغ سنته، وكان إذا خطب أمر أن تبلغ السنة، فدل ذلك على أن سنته صلى الله عليه وسلم واجبة الاتباع، وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة، كما تجب طاعة الله تجب طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام.
الرد على القرآنيين من القرآن الكريم
ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحاً.. قال تعالى في كتابه الكريم في سورة آل عمران: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ,, وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:131-132] فقُرِنت طاعة الرسول بطاعته" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله. وقال في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] فأمر بطاعته وطاعة رسوله، وكرر الفعل في ذلك: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] ثم قال: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ولم يكرر الفعل؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وإنما تجب بالمعروف، حيث كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله، ومما لا يخالف أمر الله ورسوله. ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله، فقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] ولم يقل: لأولي الأمر منكم؛ بل قال: إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فدل ذلك على أن الرد في منازل النزاع والخلاف إنما يكون لله ولرسوله، قال العلماء: معنى (إلى الله) أي: إلى كتاب الله، ومعنى (والرسول) أي: إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. فعلم بذلك أن سنته مستقلة، وأنها أصل متبع، قال جل وعلا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158] وقبلها قوله جل وعلا: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه الصلاة والسلام دون غيرهم، فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من المفلحين. ثم قال بعدها: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام؛ فدل ذلك على وجوب طاعته واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام. وقال عز وجل في آيات أخرى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54] عليه الصلاة والسلام، ثم قال جل وعلا في هذه السورة سورة النور: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، وقال في آخرها: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] فذكر جل وعلا أن مخالفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم على خطر عظيم من أن تصيبهم فتنة بالزيغ والشرك والضلال، أو عذاب أليم. نعوذ بالله! وقال عز وجل في سورة الحشر: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7]. هذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله، ومن قال: إنه يتبع كتاب الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر؛ فإن القرآن أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله، ولم يؤمن به، ولم ينقد له؛ إذ أن كتاب الله أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر باتباعه، وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام، فمن زعم أنه يأخذ بالقرآن ويتبعه دون السنة فقد كذب؛ لأن السنة جزء من القرآن، طاعة الرسول جزء من القرآن، ودل على الأخذ بها القرآن، وأمر بالأخذ بها القرآن، فلا يمكن أن ينفك هذا عن هذا، ولا يمكن أن يكون الإنسان متبعاً للقرآن بدون اتباع السنة، ولا يمكن أن يكون متبعاً للسنة بدون اتباع القرآن، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
الرد على القرآنيين من السنة النبوية
ومما جاء في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: ما رواه الشيخان البخاري و مسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني) وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة، والعياذ بالله! وفي المسند و سنن أبي داود و صحيح الحاكم بسند جيد، عن المقداد بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه -الكتاب أي: القرآن، ومثله معه أي: السنة الوحي الثاني- ألا لا يوجد رجل شبعان يتكئ على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه)، وفي لفظ: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يحدث بأمرٍ من أمري مما أمرتكم به أو نهيتكم عنه، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه اتبعناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) عليه الصلاة والسلام. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها وتسير عليها؛ لأنها هي الشارحة والمبشرة لكتاب الله عز وجل، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله، والخاصة لما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] فهو يبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها، فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم؟ هذا من أبطل الباطل، فعلم بذلك أنه مبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله. وقال تعالى في آية أخرى في سورة النحل: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل:64] فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه، فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه، فدل ذلك على أن سنته لازمة وواجبة الاتباع. وليس هذا خاصاً بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم؛ بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، فإن الشريعة شريعة لزمانه ولمن بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فهو رسول الله إلى الناس عامة .. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سـبأ:28] هو رسول الله إلى جميع العالم، إلى الجن والإنس، العرب والعجم.. الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين إلى يوم القيامة، ليس بعده نبي، فهو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام. وجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة له، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله وسنته أيضاً، فقد جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله عز وجل ولم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى. فمن ذلك: تفصيل الصلوات.. تفصيل الركعات.. تفصيل أحكام الزكاة.. تفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع، وجاءت السنة ببقية محرمات الرضاع: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وجاءت السنة بحكم مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة؛ في الجنايات، والديات، والنفقات، وأحكام الزكوات، وأحكام الحج... إلى غير ذلك.
جُزء من محاضرة " وجوب العمل بالسنة " للشيخ عبد العزيز بن بــــــــــاز " رحمه الله تعالى
__________________
الرد على القرآنيين من القرآن الكريم
ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحاً.. قال تعالى في كتابه الكريم في سورة آل عمران: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ,, وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:131-132] فقُرِنت طاعة الرسول بطاعته" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله. وقال في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] فأمر بطاعته وطاعة رسوله، وكرر الفعل في ذلك: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] ثم قال: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ولم يكرر الفعل؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وإنما تجب بالمعروف، حيث كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله، ومما لا يخالف أمر الله ورسوله. ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله، فقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] ولم يقل: لأولي الأمر منكم؛ بل قال: إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فدل ذلك على أن الرد في منازل النزاع والخلاف إنما يكون لله ولرسوله، قال العلماء: معنى (إلى الله) أي: إلى كتاب الله، ومعنى (والرسول) أي: إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. فعلم بذلك أن سنته مستقلة، وأنها أصل متبع، قال جل وعلا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158] وقبلها قوله جل وعلا: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه الصلاة والسلام دون غيرهم، فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من المفلحين. ثم قال بعدها: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام؛ فدل ذلك على وجوب طاعته واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام. وقال عز وجل في آيات أخرى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54] عليه الصلاة والسلام، ثم قال جل وعلا في هذه السورة سورة النور: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، وقال في آخرها: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] فذكر جل وعلا أن مخالفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم على خطر عظيم من أن تصيبهم فتنة بالزيغ والشرك والضلال، أو عذاب أليم. نعوذ بالله! وقال عز وجل في سورة الحشر: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7]. هذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله، ومن قال: إنه يتبع كتاب الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر؛ فإن القرآن أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله، ولم يؤمن به، ولم ينقد له؛ إذ أن كتاب الله أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر باتباعه، وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام، فمن زعم أنه يأخذ بالقرآن ويتبعه دون السنة فقد كذب؛ لأن السنة جزء من القرآن، طاعة الرسول جزء من القرآن، ودل على الأخذ بها القرآن، وأمر بالأخذ بها القرآن، فلا يمكن أن ينفك هذا عن هذا، ولا يمكن أن يكون الإنسان متبعاً للقرآن بدون اتباع السنة، ولا يمكن أن يكون متبعاً للسنة بدون اتباع القرآن، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.
الرد على القرآنيين من السنة النبوية
ومما جاء في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: ما رواه الشيخان البخاري و مسلم رحمة الله عليهما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني) وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) وهذا واضح في أن من عصاه فقد عصى الله، ومن عصاه فقد أبى دخول الجنة، والعياذ بالله! وفي المسند و سنن أبي داود و صحيح الحاكم بسند جيد، عن المقداد بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه -الكتاب أي: القرآن، ومثله معه أي: السنة الوحي الثاني- ألا لا يوجد رجل شبعان يتكئ على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه)، وفي لفظ: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يحدث بأمرٍ من أمري مما أمرتكم به أو نهيتكم عنه، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه اتبعناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) عليه الصلاة والسلام. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها وتسير عليها؛ لأنها هي الشارحة والمبشرة لكتاب الله عز وجل، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله، والمقيدة لما قد يطلق من كتاب الله، والخاصة لما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] فهو يبين للناس ما نزل إليهم عليه الصلاة والسلام، فإذا كانت سنته غير معتبرة ولا يحتج بها، فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم؟ هذا من أبطل الباطل، فعلم بذلك أنه مبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله. وقال تعالى في آية أخرى في سورة النحل: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل:64] فبين جل وعلا أنه أنزل الكتاب عليه ليبين للناس ما اختلفوا فيه، فإذا كانت سنته لا تبين للناس ولا تعتمد بطل هذا المعنى، فهو سبحانه وتعالى بين أنه هو الذي يبين للناس ما نزل إليهم، وأنه عليه الصلاة والسلام يفصل النزاع بين الناس فيما اختلفوا فيه، فدل ذلك على أن سنته لازمة وواجبة الاتباع. وليس هذا خاصاً بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم؛ بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، فإن الشريعة شريعة لزمانه ولمن بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فهو رسول الله إلى الناس عامة .. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سـبأ:28] هو رسول الله إلى جميع العالم، إلى الجن والإنس، العرب والعجم.. الأغنياء والفقراء، الحكام والمحكومين إلى يوم القيامة، ليس بعده نبي، فهو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام. وجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة له، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله وسنته أيضاً، فقد جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله عز وجل ولم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى. فمن ذلك: تفصيل الصلوات.. تفصيل الركعات.. تفصيل أحكام الزكاة.. تفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع، وجاءت السنة ببقية محرمات الرضاع: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وجاءت السنة بحكم مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة؛ في الجنايات، والديات، والنفقات، وأحكام الزكوات، وأحكام الحج... إلى غير ذلك.
جُزء من محاضرة " وجوب العمل بالسنة " للشيخ عبد العزيز بن بــــــــــاز " رحمه الله تعالى
__________________