المشهد العام في مصر الآن أشبه بمشاهد يوم القيامة .. وجوه ناعمة لسعيها راضية، ووجوه عابسة عليها غبرة ترهقها قطرة.. ناس يستعدون لدخول الجنة ونعيمها، وآخرون تكاد تقتلهم الحسرة والندامة، يعضون علي أيديهم ويقولون يا ليتنام نتخذ »مبارك« خليلاً.
ووسط هذا المشهد يقف عادل امام ـ أو الزعيم كما يحب ان يناديه الجميع ـ مجسداً حالة خاصة جداً، وان شئنا الدقة فهي ورطة أكبر وأعقد من كل الورطات التي جسدها في السينما والتليفزيون والمسرح والإذاعة عبر مشواره الفني الممتد بطول 50 عاما.
الزعيم الآن »مرنوق« ولن يستطيع الخروج من »زنقته« حتي ولو فعل مثلما فعل »سرحان عبدالبصير« في مسرحية »شاهد ما شافش حاجة« حينما وقف يبكي ويولول ويقول »أنا غلبان«.
»زنقة« الزعيم لن يستطيع تجاوزها بسيفه، الذي رفعه في فيلمه الشهير »عنتر شايل سيفه« ولن يفلح معها فهلوه »حسن سبانخ« المحامي بطل فيلم »الأفوكاتو « ولا رشاوي »مرجان أحمد مرجان« ولا استغلال »الواد محروس بتاع الوزير« ولا ضربة الحظ التي سقطت فوق رأس »بركات« بطل » المولد« فنقلته من الحضيض إلي السماء السابعة ولا حتي سذاجه »رجب« الذي عاش فوق صفيح ساخن، أو فلوس المخدرات التي استولي عليها في »بخيت وعديلة« من تجار الهيروين. وسر »زنقة« الزعيم انه اندمج طوال الخمسة عشر عاما الأخيرة في أداء دور واحد علي مسرح الحياة.
دور اعتبره دور عمره، متصورا انه الدور الذي سيفتح له أبواب الجنة، وفجأة اكتشف ان الستائر نزلت وان الدور انتهي ولكن علي اعتاب جهنم!
والغريب ان الدور الذي اداه عادل امام علي مسرح الحياة كان يتناقض جملة وتفصيلا مع التيمة التي لعب عليها في اعماله الفنية .. ففي كل أفلامه ومسلسلاته كان الزعيم يخاطب الدرجة الثالثة، ولكنه في الحياة كان يغني للمقصورة وتحديدا »مبارك« الأب والابن.
في أولي مسرحياته التي لفتت إليه الانظار كان »دسوقي أفندي« ـ أو عادل إمام ـ مدير مكتب المحامي فؤاد المهندس شابا نحيلا يرتدي بنطلون قصيراً وجاكت مبهدل وطربوش مغروس في رأسه، وكان هذا الأفندي ساخطا وناقما علي كل ما يدور حوله من فوضي، وكان يعبر عن سخطة هذا بعبارة صارت شهيرة جدا »بلد شهادات صحيح« .. ومازالت هذه العبارة تتردد حتي الآن، ويقولها كل من يريد الاشارة إلي انقلاب معايير المجتمع والظلم الذي يتعرض له ابناء الوطن داخل بلدهم .
الدرجة الثالثة
واستمر عادل امام يقوم بدور السنيد في السينما حتي انطلق إلي عالم النجومية بدءًا من مسرحية » مدرسة المشاغبين« التي أحدثت انقلابا كبيرا في بداية السبعينيات. وكان واضحا في كل افلام عادل امام التي قام ببطولتها بعد ذلك انه يتحدث باسم الطبقة الوسطي والفقراء والمهمشين هكذا كان في افلام »المحفظة معايا« عام 1978 و»رجب فوق صفيح ساخن« عام 1979 والذي نجح عادل امام من خلاله في مشاغلة الجمهور بشخصية الشاب المتعلم الريفي الغلبان الذي يستطيع بالفهلوة التحايل علي المعايش وقهر الظلم. واستمر عادل امام يسير علي هذا الخط في افلامه .. »الواد محروس بتاع الوزير« و»النمر والأنثي« و»المولد« . وحتي عندما بدأت مرحلة جديدة من حياة الزعيم عادل امام في مطلع التسعينيات وتحديدا عندما بدا التعاون مع السينارست وحيد حامد بأفلام اللعب في »الكبار« ثم »الإهارب والكباب« و»المنسي« و»طيور الظلام« و»النوم في العسل« وكان »امام« يمثل في كل تلك الافلام دوراً في كل تلك الأفلام، دور المصري البسيط الذي يعاني من ظلم السلطة حيناومن قسوتها حينا ومن تجاهلها له حينا آخر.
بطيخ الزعيم
وهكذا كانت افلام عادل تتحدث عن الفساد والظلم والقهر. ولم يترك الزعيم مسرحية من مسرحياته إلا وهاجم فيها الحكومة وكبار الأثرياء، ووصل به الأمر في مسرحية الزعيم إلي التنكيت علي الرئيس مبارك شخصيا.
ففي مشهد من تأليفه وقف عادل امام علي خشبة المسرح لعدة دقائق لإطلاق النكات حول الرئيس ذاته وقال ساخرا » اللهم خلي الزعيم« .. وأديله زي ماهو عايز.. عايز مانجه ياخد مانجه .. عايز فراولة ياخد فراولة .. عايز فلوس ياخد« ثم صمت وتابع قائلا » هو محتاج فلوس .. دابيركب المواصلات ببلاش« وواصل » اللهم خللي لنا الرئيس .. الزعيم والثورة والقائد .. اللهم خليهولنا وكتر فيتاميناته.. واللهم كتر فيتامينات الرئيس واديله تورشي زي ماهو عايز« .
وسقط بعض الجماهير من فوق كراسيهم من الضحك حينما قال عادل امام »اللهم بطخ الرئيس .. واديله بطيخ من غير بذر ، هو لسه الزعيم هيشيل البذر.. الزعيم يلهط علي طووووول«. وعندما ضجت قاعة المسرح بالضحك والهتاف لم يكن لهذا الضحك إلا معني واحد وهو ان المصريين يحملون في قرارة أنفسهم شعوراً سلبياً تجاه الرئيس بدليل ان السخرية منه تبعث عندهم السعادة والسرور. ويبدو ان عادل امام لم يفهم هذه الرسالة مثلما فشل من مناصبهم العشق الرئاسي.
أما حكايته مع مبارك وابنه فتستحق ان تتغني علي الربابة باعتبارها قصة جديدة من قصص العشق الخالدة مثلها تماما مثل قصص »قيس وليلي« و»عنتر وعبلة« و» جميل وبثينة« ، و»روميو وجولييت«. كما ان الصب تفضحه عيونه ، فإن حب عادل لـ »مبارك« فضحته مئات الاحاديث التليفزيونية والصحفية التي لم يترك الزعيم واحدا منها إلا وأكد خلالها حبه لمبارك ومبايعته له ومبايعة ابنه من بعده ولم ينس الزعيم وسط قبلات الحب والتأييد والمبايعة ان يلقي ببعض التحابيش المفلفلة التي تكيد العزال، أقصد المعارضة فكان يهاجم بضراوة كل من يعارض مبارك حتي وصل من قبل في فهم المناخ العام، حينما قال في احد مشاهد مسرحية »شاهد ماشافش حاجة« تعيش الحكومة .. العيش كتير.. ومفيش طوابير .. والاسعار رخيييصه .. والمواصلات فاصية والشقق كتييير« ووقتها ضج المشاهدون بالضحك ساخرين من واقعهم الذي يتعارض تماما مع كل ما قاله سرحان عبدالبصير الشاهد الذي لم يشاهد شيئاً !
ويبدو فعلا ان عادل امام ما شافش حاجة فعلا بدليل انه حقق نجاحه الفني بسبب انتقاده للحكومة في اعماله كلها ولكنه في الواقع كان علي العكس تماما مدافعا عن الحكومة ومؤيدا لمبارك ونجله ومبايعا لهما إلي أبد الآبدين.
قال عادل امام في حوار لمجلة »نيوزويك الأمريكية « عام :2007 »وزراء الحكومة الحالية ـ يقصد حكومة نظيف ـ عيونهم مليانة فهم أصحاب مليارات ولن يسرقوا « . واعتقد انه في موقف باااااايخ الآن بعدما كشفت الأيام ان الوزراء اصحاب العيون المليانة والمليارات العديدة سرقوا مصر وتربحوا به، الأمر الي ان وصف معارضي مبارك بانهم مثل »الهبلة اللي مسكوها طبلة«.
طبعا من حق كل إنسان ان يحب من يشاء ويكره من يشاء ولكن الخطيئة هي ان تدافع عن شخص لا يستحق الدفاع وان تصف إنساناً بما ليس فيه، أو ان يقول ملايين الناس عن رحل قال انه فاسد وطاغية وديكتاتور وفي مقابل ذلك يقول عنه انه ديمقراطي إلي أبعد حد وعادل إلي اقصي مدي ومفيش أحسن منه .. وهذا ما فعله الزعيم عادل امام مع »مبارك« »فمبارك في رأي عادل امام « أب لكل المصريين ورمز العبور والانتصار والوطنية الخالصة« .. تخيلوا .. الوطنية الخالصة«! . ومبارك في رأي عادل امام ايضا »صمام أمان للبلد وقال الزعيم في مجلة الإذاعة والتليفزيون في يوليو الماضي »أنا اتخضيت إلي حد الرعب لما الرئيس تعرض للوعكة الصحية .. وللأسف فيه ناس في المعارضة بتبص تحت رجليها ومش عارفة قيمة الرجل ده حق المعرفة«.
»مبارك« في رأي الزعيم أيضا عامل توازن في مصر فهو فلاح عامل وعندما تجلس إلي جانبه تشعر أنه ابن بلد وعنده ذكاء الفلاح المصري«. هكذا كان الزعيم يري مبارك »ويدافع عنه ويتغني بـ حكمته وحنكته ووطنية وذكائه!
ابن الرئيس
ولم يكتف بذلك بل امتد مدحه إلي مبارك الابن وكان أحد ابرز من دافع عن توريث حكم مصر من حسني مبارك إلي جمال مبارك وقال ذلك صراحة وجهارا نهارا سأمنح صوتي للرئيس مبارك إذا ما ترشح للرئاسة .. سأمنحه صوتي بحكم تاريخه وإنجازاته الكثيرة.
طيب وإذا لم يترشح مبارك الأب؟.. اجاب الزعيم : سأختار جمال مبارك لانه متمرس سياسيا ودارس الاقتصاد في الخارج وهو الذي جاب الحكومة وهو تقريبا الذي جعل الحزب الوطني ديمقراطي بالمعني الحقيقي.
تخيلوا كل هذا قاله الزعيم في محاسن ومزايا وخبرات وحلاوة »جمال مبارك« ووصل الأمر إلي انه قال عندما سئل عمن يتمني ان يحكم مصر بعد مبارك فقال »مفيش غيره .. جمال مبارك .. هو فيه غيره« ولا أدري ان كان الزعيم مازال عند رايه الآن..هل مازال لا يري في مصر رجالا غير جمال مبارك؟!
ولم يكن الزعيم يري أن تولي جمال مبارك حكم مصر بعد مبارك توريثا بل كان يردد »طول عمرنا نتحدث عن التوريث .. كأن جمال مبارك بتاع بطاطا ونسي البعض ـ ولاحظ البعض دي ـ انه يعمل في السياسة ويرأس أمانة السياسات ومن حقه كمواطن مصري ان يرشح نفسه للرئاسة وأنا من حقي ان انتخبه« .
وقال في حوار مع برنامج واحد من الناس .. ما المانع ان يرشح جمال مبارك نفسه .. مفيش فيها حاجة ابدا .. وأنا بصفتي واحد من الناس هانتخبه عن قناعة«. وفي حديث مع جريدة الجمهورية عام 2009 قال »يستكثرون علي ان اقول رأيي في ان يرشح جمال مبارك نفسه للرئاسة من حقي أن اقول ذلك وأعبر عنه، وإلا فأين هي الحرية التي يدافعون عنها«. واضاف »أنا مواطن ومن حقي أتكلم في السياسة مينفعيش أبقي راجل طوبه وأي حاجة تعدي علي وخلاص أمال اناليا بطاقة انتخابية وبروج أنتخب كل سنة ليه ؟! قال الزعيم »أنا قلق علي مستقبل مصر بعد الرئيس مبارك أطال الله في عمره .. وعن نفسي ياريت جمال مبارك يرشح نفسه في الانتخابات وأنا ـ يقصد الانتخابات الرئاسية ـ متحمس جدا له وأؤيده.
ووصل تأييد عادل امام لجمال مبارك إلي انه شرع في عمل فيلم سينمائي بعنوان »ابن الرئيس« ولولا ان الرقابة خافت من وجود فيلم يحمل هذا الاسم .. ولو ذلك لكان ابن الرئيس يعرض في السينما منذ سنوات!
ولا أدري ما رأي الزعيم عادل امام ـ الآن ـ في حسني مبارك بعدما ما صار رئيساً مخلوعاً وهل مازال عند رأيه في ان البلاد ليس فيها من يستحق الحكم سوي جمال مبارك؟
علي اية حال بدأ الزعيم يركب موجة المتحولين ، ويشيد بثورة 25 يناير، وقال لصحيفة الأخبار امس الأول انه فخور ويعتز بما قام به شباب ثورة 25 يناير ولم ينس ان يدعو إلي ضرورة عودة المليارات المنهوبة، وقال بالحرف الواحد انا متأكد أن ثورة هؤلاء الشباب سنجني ثمارها في تغيير سلوك وأخلاقيات.
وهكذا انحرف الزعيم عن رأيه ، فبعد ان كان لايري في مصر سوي مبارك الأب والابن عاد ليشيد بالثورة التي اطاحت بهما عن عرش مصر!
والإنحراف الأخير هو الانحراف الرابع في حياته الزعيم .. والإنحراف بالمعني الهندسي وليس المعني الاخلاقي. فقبلها انحرف عن الواقع الذي تعيشه مصر وراح يشيد بحاكم أفقر مصر واذل شعبها وبرد ثروتها.. وانحرف للمرة الثانية عن رأي ملايين المصريين ودافع عن الحكومة التي نهبت فلوس المصريين.. ثم انحرف للمرة الثالثة عن موجة الرأي العام فراح يدافع عن توريث الحكم لجمال مبارك.. وانحرف للمرة الرابعة حينما راح يهاجم الإخوان بضراوة ويصفهم بأنهم دميون ثم زوج ابنته من نجل أحد قيادات الجماعة الدموية علي حد وصفه!
منقول عن جريدة الوفد